فصل: فصل في المستعدّين للحميات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القانون (نسخة منقحة)



.فصل في المستعدّين للحميات:

قالوا: إن أشدَ الأبدان استعداداً للحميّات هي: الأبدان الحارة الرطبة وخصوصاً إذا كانت الرطوبة أقوى من الحرارة وهؤلاء يكونون منتني العرق والبول والبراز والأبدان الحارة اليابسة أيضاً مستعدة للحمّيات الحادة تبتدئ يوميّة ثم تسرع إلى العفن والاحتراق وربما أوقعت في الدق.
ويتلوهما التي يتساوى فيها الرطوبة واليبوسة وتستولي الحرارة وهذان من جنس ما يبتدئ فيه حمى البخار الحار ثم تنتقل إلى حُمى الخلط ثم التي يتساوى فيها الحرّ والبرد وتكثر الرطوبة وهذه إنما تعرض لها حميات العفونة في أكثر الأمر ابتداء والأبدان الباردة الرطبة والأبدان اليابسة أبعد الأبدان من الحميات وخصوصاً اليومية.

.فصل في أوقات الحميات:

إنَ للحمّيات أوقاتاً كما لسائر الأمراض من ابتداء وصعود ووقوف عند المنتهى وانحطاط وقد تكون هذه الأوقات كلّية وقد تكون جزئية بحسب نوبة نوبة والمخاطرة من الابتداء إلى الانتهاء.
وأما عند الانحطاط فلا يهلك عليل من نفس الحمّى إلا لما نذكره من السبب والابتداء هو وقت اختناق الحرارة الغريزية عن الماءة الغامرة في العضو وقت ما لا يكون يظهر للنضج أو خلافه المفاد للنضج أثر والابتداء موجود في كلِّ مرض ولكن ربما خفي خفاءة في سونوخس والصرع والسكتة وإذا كان الابتداء خفياً قليل الأعراض ظن أنه لا ابتداء فيه وكذلك ربما رؤي في اليوم الأول من الحمِّيات الحادة غمامة أو علامة نضج فيظن أنه لم يكن لها ابتداء وليس كذلك والتزيّد هو وقت ما تتحرك فيه الحرارة الغريزية لمقاومة المادة حركة ظاهرة فتظهر علامات النضج أو علامات المضاد للنضج والانتهاء هو الوقت الذي يشتدّ القتال فيه بين الطبيعة والمادة ة ويظهر حال استعلاء أحدهما على الآخر وهو وقت الملحمة ومدتها في ذوات النوائب الحارة نوبة واحدة ولا يعرف إلا بالتي يليها أو نوبتان ويعرف في الثالثة منها لا يزيد عليهما في الأكثر إلا في الأمراض المزمنة فربما تشابهت نوائب كثيرة في جميع أحكامها وهناك عند المنتهى يتم آثار النضج وضده.
والانحطاط هو وقت ما تكون الحرارة الغريزية قد استولت على المادة فقهرتها فهي في تفريق شملها شيئاً بعد شيء وحينئذ تجف حرارة الباطن وتنتقص إلى الأطراف حتى تحلل.
وكثيراً ما تغلظ فالمنتهى يختلف في الأمراض فالأمراض الحادة جداً أبعد منتهاها إلى أربعة أيام وحميات اليوم من هذه الجملة إلا أنها لا تعد حادة فإنه لا يكفي في حدة المرض أن يكون منتهاه قريباً بل يكون من الأمراض ذوات الخطر ويتلوها الأمراض الحادة مطلقاً لا جداً وهي التي منتهاها إلى سبعة أيام مثل: المحرقة والغب اللازمة ومنها ما هي أقلّ حدّة من ذلك وهي التي منتهاها إلى أربعة عشر يوماً وما بعد ذلك فهي حادة المزمنات إلى الحادي والعشرين ثم المزمنات إلى أربعين وستين وما فوق ذلك.
ومعرفة الأمراض الحادة في مراتبها والمزمنة نافعة في تدبير غذاء المرضى على ما سنذكره وكثير من الحميات يستوفي الابتداء والتزيد والانتهاء في نوبة واحدة وتنوب الأخرى منحطة والحميات أيضاً تختلف في هذه الأزمنة فمنها ما يطول تزيدها ومنها ما يطول انحطاطها.

.فصل في تعرف أوقات المرض وخصوصاً المنتهي:

تتعرف أوقات المرض الكلية مَرة من نوع المرض فإن التشنج اليابس والصرع والسكتة والخناق من الحادة جداً والغب الخالصة والمحرقة حادة لا جداً والربع والفالج من المزمنة.
ومَرة من حركة المرض فإنه إن كانت النوائب قصيرة دل على أن المنتهى قريب كالغب الخالصة.
فإن زمان نوائبها من ثلاث ساعات إلى أربع عشرة ساعة وإن كانت طويلة دلت على أن المادة غليظة والمنتهى بعيد كالغب غير الخالصة وإن لم يكن هناك نوائب بل كانت مادتها حارة كسونوخس فالمرض حاد وإن كانت مادتها غليظة باردة وإلى غلظ فالمرض غير حاد.
ومرة من السحنة فإنها إذا تحركت بسرعة وضمر الوجه والشراسيف فالمرض حاد وإن بقيت بحالها فالمرض ليس بذلك الحاد.
ومرة من القوة هل أسرع إليها الضعف فيكون المرض حاداً أو لم يظهر ذلك فيكون المرض غير حاد.
ومرة من السن والفصل فإن السن الحار والفصلين الحارين يسرع فيها منتهى الأمراض وفي الأسنان:الباردة والفصلين الباردين يبطئ منتهى الأمراض وكذلك حال البلدان.
ومن النبض فإنه إذا كان سريعاً متواتراً عظيماً فالمرض حاد وإلا فهو غير حاد ومن النافض فإنه إذا كان طويل المدة فالمرض إلى زمان وإن كان قصر المدة فالمرض إلى حدة وإذا لم يكن نافض البتة فهو أقصر جنسه.
وقد تتعرف أوقات المرض من جهة أوقات النوائب فإنها إذا كانت مستمرة على التقدم متفاضلة فإنه يتقدم تفاضلاً آخذاً إلى الازدياد فالمرض في التزيّد وذلك أن من الأمراض ما يجري إلى أخر أوقاتها على التزيد وقد يكون من جنس الغب ومن جنس المواظبة وإن كانت قد وقفت بعد التقدم ووقفت الفضول فيوشك أن يكون المرض في المنتهى وإن تأخرت فالمرض في الانحطاط والحافظة لساعة واحدة طويلة المدة وكذلك يتعرف حال الأوقات من تزايد أعراض الحمى ووقوفها ونقصانها ومن تزيد نوبتها في طولها وقصرها وربما تخالفت ولم تتشابه.
وقد تتعرف من حال الاستفراغات فإنه إذا عرض في نوبة ما عرق أو إسهال وكانت النوبة التي بعدها في مثل شدة الأولى أو فوقها فالاستفراغ للكثرة لا للقوة والمرض يؤذن بطول وقد تتعرف من جهة النضج وضد النضج على ما ذكرناه.
مثلاً: إذا ظهر نفث مع نضج ماء أو بول فيه غمامة ما فهو أول التزيد ثم إذا كثر ذلك وظهر أو ضده فهو المنتهى وأيضاً إذا ظهر النضج أو خلافه سريعاً من نفث أو غمامة فاعلم أن المنتهى قريب وإن تأخر فاعلم أن المنتهى بعيد.
وأما تعرف الأوقات الجزئية فإن وقت النوبة هو الوقت الذي ينضغط فيه النبض وقد علمت معناه ويكمد لون الأطراف ويبرد الأطراف خاصة طرف الأذن والأنف إلى الوقت الذي يحس فيه بانتشاره الحرارة وربما صحب الابتداء تغير لون وكسل وغم وإبطاء حركات وسبات واسترخاء جفن وثقل كلام وقشعريرة بين الكتفين والصلب وربما عرض له فيه نافض قوي وربما عرض سيلان الريق واختلاج الصدغين وطنين الأذنين وعطاس وتمدد أعضاء البدن وأشد ما تضعف القوة تضعف في الابتداء وفي الانتهاء ووقت التزيد نصفه الأول هو الوقت الذي يأخذ النبض في الظهور والعظم وفي السرعة وتنتشر الحرارة في جميع البدن على السواء ونصفه الأخير هو الوقت الذي لا تزال هذه الحرارة المنتشرة بالاستواء تتزيّد ووقت الانتهاء هو الوقت الذي تبقى فيه الحرارة والأعراض بحالها.
ويكون النبض أعظم ما يكون وأشد سرعة وتوتراً ووقت الانحطاط هو الوقت الذي يبتدي فيه النقصان ويأخذ النبض يعتدل ويستوي ثم الذي يأخذ فيه البدن يعرق ويؤدي إلى الإقلاع وكثيراً ما يعرض عند الموت حال كالانحطاط وكان المريض قد أقبل ويجب أن لا يشتغل بذلك بل يتعرف حال النبض هل عظم وقوي وإذا رأيت أن تضرب لك مثلاً من الغب في أكثر الأحوال يبتدئ فيه قشعريرة ثم برد ونافض ثم يسكن النافض ويقلّ البرد ويأخذ في التسخّن ثم يستوي التسخّن ثم يتزيّد ثم يقف ثم يأخذ ينتقص إلى أن يقلع واعلم أن المرض تطول مدته إما لكثرة المادة وإما لغلظها وإما لبردها وقد يعين عليه الزمان والبلد البارد وضعف الحرارة الغريزية واستحصاف الجلد.

.فصل في كلام كلّي في حميات اليوم:

إن أسباب كلّ أصناف حمّى يوم هي الأسباب البادية المسخنة بالذات أو المسخّنة بالعرض من جملة الملاقيات والمتناولات والانفعالات البدنية والنفسانية ومن الأوجاع والأورام الظاهرة وقد يكون منها من السدد ما ليس سببه ببادٍ ولا يبلغ أسبابها باشتدادها إلى أن تجاوز ما يشعل الروح فإنها إن جاوزت ذلك أوقعت في الدق أو في ضرب من حميات الأخلاط نذكره فإن الأسباب البادية قد تحرك كثيراً المتقادمة فإن حركتها إلى العفونة كانت حمّيات عفونة ومن الناس من زعم أن حُمى يوم لا يكون إلا من بعد تعب البدن أو الروح وذلك غلط وهذه الحمّيات في أكثر الأمر تزول في يوم واحد وقلّما تجاوز ثلاثة أيام فان جاوزت ذلك القدر حدث من أمرها أنها انتقلت ومعنى الانتقال أن تشبث الحرارة جاوز الروح إلى بدن أو خلط على أن من الناس من ذكر أنها ربما بقيت ستة أيام وانقضت انقضاءً تاماً لا يكون مثله لو كان قد انتقل إلى جنس آخر وهذه الحُمَى سهلة العلاج صعبة المعرفة وكذلك ابتداء الدِق وأسرع الناس وقوعاً في حميات اليوم وأشدَّهم تضرراً بها أن غلظ عليه فيها من كان الحار اليابس أغلب.
عليه فيتأدى بسرعة إلى الدق والغبّ ثم الحار الذي الرطب أغلب عليه فيتأدى بسرعة إلى حُمَى العفونة ثم الذي الحار فيه أكثر ثم الذي اليابس فيه أكثر ومن كان حار المزاج يابسه فإنه إذا عرض له جوع وقارنه سهر أو تعب نفساني أو تعب بدني أسرع إليه حُمى يوم مع قشعريرة ما فإن لم يتدارك ويطعم فيالحال أسرع إليه حمّى العفونة.
العلامات: أما العلامات الخاصية بحميات اليوم المميزة لها عن الحميات الأخرى فنقول: من خواصها أنها لا تكون من الأسباب المتقادمة ولا تبتدئ بتضاغط وهو أنها لا تبتدئ في أكثر الأمر بنافض وبرد أطراف وغؤر حرارة وميل إلى الكسل والنوم وغؤر نبض واختلافه وصغره بل ربما عرض في ابتدائها شبيه بالبرد أو قشعريرة ونخس بسبب بخار كيموس رديء وتزول بسرعة.
وقد يعرض في الندرة نافض لكثرة الأبخرة المؤذية للعضل بنخسها كثرة مفرطة ويكون اشتعاله غير لاذع قشف بل طيباً كحرارة بدن المتعب والسكران.
وإذا كان البول في اليوم الأول نضيجاً والنبض حسناً فاحكم أنه حُمًى يوم وذلك لأنَّ البول لا يتغير فيه من حيث هي حُمَى يوم ويكون فعله نضيجاً غير مائل إلى لون خلط وربما كانت غمامة متعلقة وربما كانت طافية حسنة اللون فإذا اتفق أن لا يعتدل لونه فإن قوامه يكون وإن لم يكن هناك حُمَى مما سنذكر في التعبية ونحوها والنبض يكون إلى توتر وقوة وعظم إلا فيما يكون عن الانفعالات المضعفة وإلا أن يكون في فم المعدة خلط يلذع أو برد أو سبب آخر مما يصغر النبض عن الحُمى وقلّما يختلف.
فإن اختلف كان له نظام فإن خالف في ذلك فلسبب آخر تقدم الحمّي أو قارنها مثل التعب الشديد أو اللاذع الشديد في الأحشاء ونحو ذلك.
وقد يعرض أن يصلب لبرد شديد مكثف مبرِّد أو حرارة شمس شديدة مجففة أو لتعب شديد مجفف أو جوع أو سهر أو غمّ أو استفراغ وقد يسرع فيه الانبساط ويبطؤ الانقباض ولا يسرع أكثر من الطبيعي إلا في الندرة وسرعة قليلة لأن الحاجة إلى الترويح فيه أشدّ من الحاجة إلى إخراج البخار الفاسد فإن البخار فيها ليس فاسداً بقياسه إلى المعتدل بل سخيفاً بقياسه إليه.
وإذا أشكل علي.
النبض وانقباضه فتعرف من التنفس والنبض يعود بعد إقلاعها إلى العادة الطبيعية له في ذلك البدن وهذه علامة جيدة واعلم بالجملة أنه كلما كان البول والنبض جيداً دل على أن الحمّى يومية وإذا لم يكن لم يجب أن لا تكون يومية فإنه كثيراً ما يكون فيها البول منصبغإً والنبض مختلفاً وضعيفاً وصغيراً.
ومما يدلّ على أنها حمّى يوم أن يكون ابتداؤها هيّناً ليّناً ويكون تزيّدها لا يزيد على ساعتين ولا يصحب منتهاها أعراض شديدة وحمّى العفونة بالضدّ وأن لا يعرض فيها الأعراض الصعبة ولا سورة حرارة شديدة ويقلّ معها الأوجاع فإذا كان معها صداع أو وجع لم يكن ثابتاً لازماً بعد إقلاعها وهذا يدلّ على أنها يومية وأكثر إقلاعها يكون بعرق وبنداوة وتشبه العرق الطبيعي ليس الخلطي وليس بشديد الإفراط في الكمية بل قريب من العرق الطبيعي في قدره كما هو قريب منه في كيفيته.
فإن رأيت عَرَقاً كثيراً فالحُمى غير يومية ومما يجرّب به حُمّى يوم أن يدخل صاحبها الحمّام فإذا أحدث فيه المكث كالقشعريرة غير المعتادة علم أن الحمّى حمّى عفونة وأخرج صاحبها من الحمّام في الحال وإن لم يغير من حاله شيئاً فهي حمّى يوم.
علامات انتقال حمّى يوم: حمّى يوم إذا كانت تقتضي أن يغذّى صاحبها فأخطأ الطبيب عليه فلم يغذه انتقلت في الأبدان المرارية إلى الدق والمحرقة وفي الأبدان اللحمية إلى سونوخس التي بلا عفونة.
وربما انتقلت إلى التي بالعفونة وكذلك إذا كانت تحتاج إلى معونة في تفتيح المسام وتخلخل الجسم فلم يفعل اشتعلت في الأخلاط المحتبسة في البدن اشتعال ما يسخّن بقوة وما يعفن.
دليل ذلك أن ينحط من غير عَرَق أو نداوة أو مع عَرَق من غير نقاء بالعَرَق ويكون الانحطاط متطاولاَ متعشراً من غير نقاء النبض بل يبقى في النبض شيء ويبقى الصداع إن كان وهذا كله يدل على انتقالها إلى حمى عفونة الخلط أو الدق وإن كانت الأسباب شديدة وطال لبثها انتقلت إلى الدقية فإن انتقلت إلى الدق رأيت مِجس الشريان حاراً جداً ورأيت الحمّى متشابهة في الأعضاء كلها تزداد على الامتلاء.
وعند أخذ الطعام حاراً ورأيت النبض حافظاً للإستواء مع صلابة وصغر ورأيت سائر ما نقوله من علامات الدق وإذا انتقلت إلى جنس من حميات الدم يسمى: سونوخس غير عفنية رأيت الامتلاء وازدياد الحرارة وانتفخ الوجه وإذا انتقلت إلى حميات العفونة ظهر الاقشعرار واختلف النبض وصغر وظهر التضاغط وكانت الحرارة لاذعة يابسة واشتدت الأعراض.
وأما البول فربما بقي فيه نضج من القديم وفي الأكثر لا يظهر نضج.